منتديات الملوك

منتديات الملوك (https://elmelok.com//index.php)
-   المنتدى العــــــام (https://elmelok.com//forumdisplay.php?f=2)
-   -   ليلة رمضانية مع جمعية تراث دنقلا (https://elmelok.com//showthread.php?t=37596)

علي عبدالوهاب عثمان 28-05-2019 04:33 PM

ليلة رمضانية مع جمعية تراث دنقلا
 
إهداء من علي عبدالوهاب ( آرتاوي ) إلى الاحباب جمال وكايل حقوق النشر لمنتدي دنقلا الاصالة والتاريخ :
خواطر بدون ترتيب
شكراً رمضان شهر الخير .. لقد خرجت من عزلتي التي أمتدت لأكثر من سنة ما بين البيت والعمل والجمعية أحياناً أيام الجمعات فقط لغرض العزاء .. فبدأت بفطور الاربعائية وبعدد محدود ولكن الجلسة كانت اخوانية حتى النخاع .. جلست خلالها أتأمل الاربعائيين منهم من رحل عن دنيانا ( أيوب وحرسم ) رحمهم الله .. ومنهم من فارق إلى الوطن فكان الفقد الكبير الحكيم محمد يوسف مؤسس الاربعائية والسمد شرفي شفاه الله .. عندها شعرت بأن الاربعائية أصبحت بدون إتكاءة بعد حذف إسم دنقلا فكان خطأً جسيماً لم نحسب له حساب ربما لتوظيف المنتدى في أمور سياسية جاليوية ( قاتل الله السياسة ) فلا بد لنا أن نرجع إلى مسمى ( أربعائية دنقلا ) .. ثم كان فطور الشمالية .. وهنا توقفت لأسأل نفسي ..لماذا لا أشعر بالانتماء إلى الشمالية بصدق من دواخلي .. فالحقيقة أن الشمالية بالنسبة لي اتجاه وليس انتماء لأن حدودها تختلف حسب الظروف السياسية ففي زمن سابق كانت الشمالية من الدامر إلى حلفا ثم تم إختصارها من كاسينجر إلى حلفا وربما تأتي حكومة أخرى فتمدها أو تقصرها فهذه الممارسات تجعل من الصعب جداً السمو بهذا الانتماء وبصفة حقيقية إلى الارض والانسان لأن الانتماء هنا لحظي ينحصر فقط في توظيف الاسم لغرض سياسي أو أي مآرب أخرى ثم ينفض السامر بدون وقع أو أثر في النفس .. فقد كان حماسي منقطع النظير في بداياتي مع الشمالية لإزالة أي فرق بيننا كنوبيين وبين إخواننا الشايقية وباقي المكونات فعقدنا ليالي أزعم أنها كانت ناجحة لأننا وجدنا أن الرابط بيننا من حيث المشترك في اللغة والعادات والتقاليد لا اختلاف عليه .. فكان كتابي (قراءة نوبية في شعر حميد ) .. ثم كان فطور جمعية دنقلا للتراث ونداء من الاخوة كايل وجمال بدعوة إفطار في المطار القديم .. فإزداد شوقي وشغفي لأن دنقلا هي المرجعية والاتكاءة ولأننا كمجتمعات نوبية على امتداد النيل نشعر بالزهو الاعتزاز عندما نلجأ لمرجعياتنا كضرورات الحياة عند الحزن والفرح والكآبة والأمل .. وها نحن اليوم في هذا المنعطف من حياتنا في الاغتراب في أشد الحوجة لهذه الاتكاءة والمرجعية .. والمعروف أن الانسان في المجتمع النوبي يعاب عليه .. إن كان بدون مرجعية بأي صورة من الصور لدرجة ان يوصم بعبارة ( بالدنقلاوية ..ترتي كنجي .. وبالمحسية .. كو كومو) وعبارة ترتي Tirti تعني السيد أو صاحب ولتقريب المعنى بلغة الخليج ( الكفيل) والترجمة الحرفية بالعربية ( ما عندو سيد ) ولكن الكثيرين لا يفمهون المقصود من هذه العبارة إذا تم توجيهها للانسان فالمعنى يكون ( إنت زول بدون مرجعية ) ولكن إذا وجهت العبارة للحيوان تكون ( بهيمة ما عندها سيد ) وتطلق هذه العبارة على الانسان الذي يتصرف بدون وازع أو خجل ويأتي بتصرفات تكون خارج سياق الضوابط الاجتماعية أو عدم مراعاة ( قانون العيب ) الذي يتحكم في مجتمع النوبي وهو قانون كان تأثيره وحكمه أكبر أثراً من قوانين الشريعة والعبادات وما زالت إلى اليوم .. كل هذه المقدمة من أجل ما تمثله ( دنقلا ) بالنسبة لأبنائها فيكفي إسمها فقط لتهرع صوبها وتطوف حولها في أدب واحترام حتى ما يسمى بالسودان يتقزم في حضرة دنقلا والامتداد النوبي لأن الشخص لا يستطيع أن يجد ذاته في وطن بكل هذا الطول والعرض والتنوع فالانتماء حسب تقديري وإحساسي الحقيقي يبدأ من أرض الاجداد من سواقينا وجروفنا وتاريخنا لأن كل هذه المكونات كانت قبل السودان بآلالاف السنين لدرجة أنني لا أشعر بإنتمائي إلى منزلٍ أو قطعة أرض تأخذها من الدولة بورقة ( شهادة بحث ) ولكن إنتمائي الحقيقي لأرض أجدادي وتلك السواقي والجروف التي كانت هبة من لدن الخالق عز وجل .. كل هذا يدور في خلدي وأنا متجه نحو افطار جمعية دنقلا للتراث في المطار القديم حيث التنظيم الرائع من الاحباب جمال وكايل وتمددت الموائد وبمشاركة من الاخوة النوبة مصر الكرام هؤلاء الاحباب الذين يفيض بهم الشوق لإخوانهم وامتدادهم الطبيعي .. قاتل الله الاستعمار الذي وضع الحدود وفرق الاخوان والاحباب .. وتجسدت دنقلا بكل جمالها وأصالتها في تواصل هؤلاء الشباب وخاصة مجموعة بنا وكما أذكر دائماً لا تكتمل ليالي دنقلا بدون وجود بنا فكان خالد وعادل بناوي وغيرهم من الشباب المترعين بحب هذه الرؤوم (دنقلا) ففاض الخير وسمت عبارات الكرم وفاضت الطاولات بطيبات الطعام .. الفول والقراصة ( ويكة ) ولأول مرة في موائد دنقلا أجد ( العصيدة – قرييه بالدنقلاوية) في البداية إختلط علي الأمر في اللون العصيدة ونوع ولون الملاح .. فكانت الاجابة مصحوبة بإبتسامة من خالد بناوي ( عصيدة بملاح الروب ) كعادتي وحرصي لم أتناول ولا نطفة منها .. وبعد الفطور والصلاة .. بادر هذا الشاب النشط جمال إلى افتتاح الجلسة وكانت المفاجأة بتقديمي لإلقاء كلمة في حضرة الجمع الكريم ولأنني كنت كاظم للغيظ بما جرى في فطور الشمالية والخروج عن السياق العام بسبب تناول المواضيع السياسية وغيرها .. ففي حضرة دنقلا يطيب الجلوس والحديث بكل تهذيب والسمو بالمعاني والقيم لأنها ( أمنا الحنون .. ووو يو ووو دنقلا ) فكان الاندياح من صميم التراث النوبي ومجتمع النوبي الذي يسمو بالقيم والمعاني وهذا الانسان النوبي الذي نال احترام الوطن لأنه معلم الوطن في المهن والسلوك والممارسات اليومية والاجتماعية .. فكانت المحاضرة عن سر هذا الانسان النوبي المميز بالسلوك القويم ومرجعيته التي أستقى منها هذه القيم والنفس الامارة بالتسامح والسمو وهذا المجتمع الآمن الخالي من كل الجرائم والموبقات بدون تدخل قانون وضعي أو حزم وحسم .. فالسر في ذلك يمكن في ممارسة النشاط الزراعي الذي يسمو بإنسان النوبة إلى أعالي السموات وباطن الأرض ليجعله متأملاً في هذا الكون بنيله وأرضه ونخيله وكل دابة تدب على أرضها .. ثم كان نقاشنا مع بعض الشباب المتحمسين بكل ما يتعلق بهذا التراث الأصيل .. هكذا انفض سامرنا وهاماتنا أعلى من كل هذا الجمع في أرض المطار القديم وذهبت إلى سيارتي وأنا أمشي الخيلاء ومترعاً بقيم التراث مستحضراً أرض أجدادي في جزيرة الرائعة أرتقاشة ولم أنتبه إلا من خلال أبواق السيارات التي أرجعتني إلى حاضري الكئيب .. شكراً لشباب دنقلا كايل وجمال لهذه الأمسية الباذخة بحضورها الرائع فكان فقدي لأديبنا الرائع سيف الدين عيسى الذي اعتذر بسبب ضيوف داهموا منزله مع ساعات الفطور .. وبيت العمدة لازم يكون مستعد على الدوام لضيف الفجأة ..
أعذروني يا شباب عن الاخطاء الاملائية ( الزهايمر وعدم التركيز ) .. كن هكذا يا جمال ويا كايل .. هيرو.. وو .. أندا دنقلا ..




الساعة الآن 05:12 AM.