سياحة وجدانية في ربوع أمنتقو :

سياحة وجدانية : ( 3 )

* محطة رقم : ( 2 )

تحركنا صوب محطتنا الثانية في رحلتنا السياحية , بعد أن شكرنا العم / محمد علي العمدة / علي كرم الضيافة , واخبرناه باننا سنحط الرّحال ونكون ضيوفا عند العم / ميرغني عثمان , والد زميلنا / عثمان , لأنّه عند سماعه بخبر تحركنا من ناوا أرسل لنا دعوة لتناول وجبة الغداء معهم بدارهم العامرة , وعليه يمكن للأخ / عبدالرحمن أو من ينوب عنه اللحاق بنا هناك ( فمرحبا به وبهم في كل حين من أجل أي اضافة يرونها ) .
عبرنا كبري جدول المشروع الزراعي , وهو من أقدم المشاريع في المنطقة , ووجدناه كما عهدناه يفيض بالماء المتدفق نحو الحقول والمزارع , وأول مايشد انتباه العابر في هذه المنطقة قلة البيوت بجانبي الطريق , وأن الخضرة والمزارع تحيط بالدربوق من الجانبين فتزيد المكان جمالا وروعة .

اقتربنا من معلم هام في حياتنا , عرفناه وخبرناه , مكان ألفنا والفناه , عندها سمعنا الأخ / ( جنا عوض ) يقول بصوت مرتفع : ( احذروا وانتبهوا لحميركم , لا تأخذكم فجأة الي الداخل ! ) وبالفعل لم تمهلنا الحمير من أخذ احتياطات الحذر , فوجدنا أنفسنا داخل حوش الطاحونة , ويا لسعادتنا , وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع العم / عثمان محمود , هذا الرجل الانسان , والأب الشفوق والحاني علينا , والذي كان يفهمنا أكثر من أنفسنا , خاصة عندما نحاول التحايل عليه بأنّا جئنا قبل فلان أو علان , فتأتي منه الابتسامة الأبوية بلسان حال يقول : ( قديمة .. شوفوا غيرها ) , نظر الينا من الشباك سريعا , وبدأت الحيرة علي وجهه عندما لم يجد مع أي منا كيس العيش , وقد ارتدينا جلاليب بيضاء علي غير العادة , فقال لنا مازحا : ( هيا أنتم أول واحد ) فسلمنا عليه وشرحنا له سبب قدومنا , واننا نقوم بجولة علي ربوع أمنتقو , ودخولنا هنا للسلام عليك فقط , فلم تطاوعنا أنفسنا أن نمر دون السلام عليكم , فأنت وطاحونتك شكلتم حضورا قويا وصلة وثيقة في نفوسنا , حيث أنها الطاحونة الأولي التي نتعامل معها , ثم ودعناه بذات البشاشة وأنطلقنا .

بعد لحظات كنا أمام أعظم وأجمل وأنظف شارع عرفناه في حياتنا , شارع له في أنفسنا مكانة سامية , مكانة تجمع بين الرهبة والرغبة , فكم عبرنا فيه مرات ومرات , بل كان المدخل الرئيسي لأهل ناوا كلهم وهم يقصدون المحطة , ورغم أن عرض هذا الشارع أقل من عرض الدربوق , الا أن العابر به كان يلمس ترتيبا وتنظيما ماعهدناه من قبل , علاوة علي بعض البيوت المبنية بالطوب الأحمر والتي تزيد من جمال الطريق , فان مررت به في أول الليل تلحظ أنوار الفوانيس في البيوت وتحس بالحركة التي تملأ نفوسنا طمأنينة , أما ان تأخرت قليلا عن أول الليل فهو طريق هادئ وساكن , سكون يجعل الخوف يتسلل الي قلوبنا , فلا تسمع الا ايقاع حوافر حميرنا , فيتملكنا الخوف فنكتم أنفاسنا حتي نصل المحطة أو نخرج للدربوق .

من هذا الشارع بدأت البيوت شامخة وكأنها تحتضن الدربوق من الناحية الغربية , بينما الجنائن بنخيلها تحرسه من الناحية الشرقية , توقف الأخ / محمد علي النشيط , فتوقفنا أمام دكان صغير , كنا نجده في أغلب الأحيان مغلقا , وقبل أن يبادر بالسؤال المتوقع , عاجله الأخ / عبدالقادر محمد أحمد , قائلا : هذا دكان عمنا / أحمد الفضل , عندها جاءت مني التفاتة لجهة اليمين , فاذا بي أشاهد الأخوين / عثمان ميرغني وابن عمه / محمد حسن عثمان يسرعان نحونا في فرح وسرور , ورحبوا بنا , نزلنا وسلمنا عليهما ودخلنا الدار , فوجدنا العم / ميرغني عثمان في انتظارنا , وقد اعدوا لنا مكانا جميلا نجلس عليه تحت أشجار النخيل الموجودة في داخل الحوش , رحّب بنا العم / ميرغني , وأبدي أسفه علي أنّه لن يشاركنا أنسنا لارتباطه الدائم بالكبانية , وبمجرد أن نطق بكلمة الكبانية أحس ببريق عيوننا وهي ترنو لمعرفة المزيد عن هذا التطور الهائل والطفرة التي حدثت في منطقنا بدخول الهاتف في حياتنا , وكيف أن الواحد اليوم يمكنه من مخاطبة آخر , ان كان هذا الآخر في ناوا أو دنقلا أو الخرطوم وحتي الأسكندرية , أحس وأدرك الشوق الذي يعترينا للتعرف علي هذا المجهول , فبادرنا بالسؤال عن عدد الذين يملكون تلفونات في ناوا ؟ فقلنا أحد عشر مشتركا , فقال هذه المجموعة يقوم موظف الكبانية في المساعدة وتنظيم حركة الاتصالات الصادرة والواردة , ففي الكبانية لوحة ومفاتيح , فيقوم الموظف بربط المحادثات بين الكبانيات المختلفة داخل السودان , وكذلك المحادثات داخل القرية , يتصل شخص معين من ناس أمنتقو فيقول لي أريد الحديث للتاجر / حسن عابدين ( مثلا ) فاقوم بالاتصال بالسيد / حسن عابدين ويتم من خلال الكبانية الربط بينهما , اما ان طلب مني محادثة التاجر / عبدالحليم قيلاب بناوا , فأنا أتصل بكبانية ناوا , ليقوم موظف كبانية ناوا بالتوصيل بين المحادثتين و وهكذا , ولاننا نعلم أنّ العم / ميرغني لا وقت له ليمنحنا أكثر من ذلك , شكرناه علي هذا التوضيح , فوعدنا باطلاعنا علي كل مكونات الكبانية عند مرورنا بالسوق .

ابتدر الأخ / محمد حسن الحديث لتزويدنا بلمحة سريعة عن المنطقة , وشرح لنا كيف أن هذه السواقي تعج بالآباء الفاعلين في مناحي الحياة المختلفة , وأن هذه المنطقة ولدت أفذاذا ومشاعل للعلم والمعرفة , سعد السودان بهم كثيرا لجميل عطائهم , وعدّد بعضا من أساتذتنا الاجلاء ( محمد عثمان كريري / حسن محمد أحمد / ساتي علي الحاج / بكري حمودة / وغيرهم كثر ) .

لا أشك لحظة في أن الذاكرة قد غاب عنها الكثير الذي يستحق ذكره , فعشمنا منكم اضافات تسند الفكرة وتقويها , والسلام علكم ورحمة الله تعالي وبركاته .

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم النصري
محطتنا محطة امنتقو تلك السيفونية الرائعة على الضفة الشرقية لنهر النيل بين دنقلا وكريمه

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم النصري

والتى تمثل القلب النابض بالحياة والشريان الذى يتغذى منه جميع الركاب المتجهين شمالا
وجنوباعبر هذه المحطة ..كذلك المنطقة كلها من القدار جنوبا الى تمر العرب شمالا كل هذه
المنطقة كانت تعتمد اعتمادا يكان يكون كليا فى وصول الامدادات اليها واهمها كانت فى السابق
السكر والشاى والصابون والملح وكثيرا من المواد التى لم تكن تصنع او تنتج محليا.
اما الزيت فكانت عصارات الزيوت المحلية تكفى المنطقة .
اما الجاز الابيض والجازولين فكانت تصل غالبا عن طريق المخصوص وهو نوع من البواخر النيلية
تختص بنقل البضائع .وعبر هذه المحطة كان يتم تصدير المنتجات الزراعية وعلى رأسها التمور
يانواعها المختلفه والقمح والذره والفول واللوبيا والمكاده والسمسم والقطن ( السمسم والقطن
كانتا من المنتجات الرئيسية فى المنطقة سابقا) بالاضافة الى نقل المسافرين والقادمين..
واهم البواخر التى كانت مستخدمه فى ذلك الحين( جكسم باشا .كربكان.الجلاء .الزهره.
عطارد .) وفى صغرنا وجدنا حطام باخرة غرب جزيرة السيو نارتى وهى الجزيرة التى بين
ناوا من جهة وفرجى وبسلان من جهة اخرى ولم نعرف هل هى باخرة ركاب او بضائع
او باخره عسكريه
وكان جطام هذه الباخرة الى وقت قريب موجودا وعندما كنا صغارا كنا نسبح قريبا منها محاولين الوصول اليها.
كانت محطة امنتقو تمتاز بانها محطة عامره بكل الخيرات .المحطة كلها ممتلئه بما لذ وطاب من الوان المأكولات والمشروبات.
واجمل المناظر التى تقابلك هى عند وصول الباخرة الى المحطة وهى تتحرك بجانبها لكى يتم ربطها وانزال السقالات .وترى المسافرين من داخل الباخرة على الصندل المواجه للمحطة مصطفين وكل منهم يبحث وينظر فى كل اتجاه عن الشيئ الذى يريده فى المحطة .والشباب على الشاطئ القريب من البحر حيث ترسو الباخره وهم يمتعون ابصارهم بمنظر الباخرة وهى تتحرك الهوينا بجانبها حتى ترسو على الشاطئ.والمحطة كلها فى حالة جركة .والجمال وسيلة النقل الاولى فى ذلك الحين تنزل حمولتها من على ظهرها من البضائع .وود احمد يبرك جماله لينزل عفش المسافرين هذا له افضال كثيرة على الطلاب كان يرحل عفشنا مجانا عند سفرنا وعند قدومنا ويرفض ان يأخذ قرشا منا ويقول لنا انتم طلبة علم وابنائنا وان شاء الله بعد ما تتخرجوا وتتوظفوا بعد داك نأخذ منكم ..كان الذى يملك قرشا واحدا لابد ان يشرب شاى بت مدينه المقنن اما الزلابية.زلابية الله معانا فثلاث زلابيات بتعريفه نأكل اثنتين فنشبع والثالث يدخل الجيب لنشرب به شاى الصباج وبليلة ستنور ودار الجلالتشم ريحة الشمار فيها من بعيد .وعمنا حمد الله مسئول التذاكر يقف قريبا من مكان الباخرة ليكون من اول الداخلين فى الباخرة وهو يعرف كل الطلاب والمسافرين تقريبا من ابناء المنطقه وعندما نحضر اليه لنقطع التذاكر يحدثنا عن ابنه عبد المعطى والذى يكبرنا بسنوات وكان فخورا به .هذه البواخر كلها كانت عند عودتها من دنقلا الى كريمه تصل عصرا الى نحطة امنتقو وتبيت فيها .كانت نحطة امنتقو احدى مراكز تجمع الطلاب ومكانا للالتقاء والونسه.كنت تجد فى هذه المحطه كل ما تريده من انواع المأكولات حتى ملاح الكداد كان يشكل حضورا ولا ننسى البليله والجرم والعيش البلدى والطواقى والحبال والليمون وعجاوى الخلتاب فى موسم العجاوى والبرسيم والبيض المسلوق والمناديل حتى اللحمة تجده لقد كان سوقا بمعنى الكلمة ...والباخره فى الوسط يمثل الوابور الرئيسى وبه الماكينات فى الجانب الخلفى اما فى الجانب الامامى فيوجد البوفيه وفى الطابق الاعلى الدرجة الاولى والثانية وغرفة القياده .وتكون الباخره بين صندلين الصندل الذى على اليمين للنساء والصندل الذى على الشمال للرجال.وعند وصول الباخرة الى المحطة تجد ان هناك حركة كبيرة داخل الباخره بين العمال منهم من يستعدون لربط الباخرة ومنهم من يستعدون لانزال السقالات وبعضهم لنقل لنقل البضائع لخارج الباخره ....
الاستاذ .عبد العظيم ..بعد عطلة عيد الفطر المبارك وانا عائد الى برتسودان عن طريق دنقلا ذهبت لاعبر النيل عن طريق البنطون .فوقفت طويلا عند مكان المحطه ومرت بذاكرتى زكريات عزيزه كان هذا المكان شاهدا عليها وعلمت انها لن تعود وستظل تتقد وتتوهج كلما ذكر محطة امنتقو....ودمتم فى حفظ الله ورعايته.......







لك التحية أستاذي / ابراهيم وأنت ترفد المسيرة بهذه الدرر الثمينة , فبورك فيك وزادك الله من فضله , وحفظك من كل سوء , فهذه هي الاضافات التي ننشدها ( بل هي الساس الذي نبني عليه ) وأنت فيها لا تمثل نفسك فقط , بل كل الاخوة من زملائك : محمد الحسن / عبدالرازق ساتي / عبدالقادر السيد / خالد علي خالد / عبدالرحيم بوبا / عبدالعزيز محمد أحمد وغيرهم كثر ........................ وبعد :

· سعدت بالسفر علي جميع تلك البواخر الا الباخرة ( جكسم باشا ) , ولم ارها متوقفة بورشة الحوض بكريمة . أما تلك الغارقة بجوار السيونارتي فظني أنها تغطت الآن بالكامل بالرمال , فقد قيل أنها كانت تقل أحد القادة الانجليز , وغرقت بفعل فاعل .

· وياللروعة وأنت تصف لحظة رسو الباخرة علي المحطة , وتلك النظرات المتبادلة بين ركاب الباخرة وبين من ينتظرون رسوها علي أحر من الجمر , هذا المشهد ظل له توأم في ذاكرتي , يوم جاء الرئيس الأسبق ( جعفر نميري / عليه الرحمة ) زائرا للمنطقة , كل المرافقين له والوزراء بدأوا النزول بالسلالم , ليصعدوا بسلالم الصندل ليكونوا في تحية الناس , ألا جعفر نميري , قفز مباشرة من الباخرة الي الصندل المقابل .


· جزاك الله خير الجزاء وأنت تعدد أسماء بعض الآباء والأمهات والجدات , أؤلئك الذي كانوا جزءا أصيلا من المحطة . وتصف الباخرة معددا مكوناتها الرئيسية , وصندل الرجال وصندل النساء .

· عاطر التحايا وأطيب الأمنيات .

سياحة وجدانية : ( 4 )
المحطة : ( 3 )

خيّرنا أميرنا / محمد علي النشيط بين أمرين , أن تسير رحلتنا السياحية بالترتيب , وتكون التغطية شاملة وبين أن نرجئ زيارة المحطة والسوق والمعدية ثم البوستة , فاختار معظمنا الخيار الأول , وأن تكون السياحة حسب الترتيب المكاني لأن ذلك مدعاة لرسوخ الصورة في الأذهان خاصة للشباب الذين ولدوا خارج المنطقة , ولاؤلئك الذين يتعرفون علي معالم أمنتقو لأول مرة , تحركنا بعد أن شكرنا أسرة عمنا / ميرغني عثمان لكرم الضيافة والحفاوة التي استقبلونا بها , وفضلنا العودة للشارع المؤدي للمحطة , والدخول اليها منه , فهو طريق ألفناه ويشكّل في وجدان كل واحد منا أنّه جزء لا يتجزأ من المحطة , ولو كان الناس يقومون بتسمية الشوارع حينها لكان اسمه دون خلاف ( شارع المحطة ) , لاستخدام الناس الجمعي الفعلي لهذا الاسم , ونحن نعبر هذا الشارع ونقصد المحطة , التقينا بزملاء اخواننا الكبار واصدقائهم ( عبدالله محمد ود أرب / عبدالله يوسف / عبدالتام , الشقيق الأكبر للأخ / عبدالرازق سعد ) .

وصلنا المحطة ويالروعة المشهد , يعج المكان بالناس وبالحركة , وكل مجموعة تشكّل حضورا فاعلا يزيد المكان روعة , وأول مايلفت النظر أن المحطة من حيث جغرافيتها تشبه الحضن الدافئ , ساعدها الأيمن القوي والحافظ لها تلة مرتفعة باليمين , وكانت تستخدم أيضا كمنارة يزف منها الواقف عليها خبر ظهور الباخرة , وقد أمتدت يدها اليسري وانبسطت في مودة ويسر والفة حتي الي حيث تقف المعدية , تلتصق مياه النيل بارض المحطة في وئام وانسجام , دون أن يفصل بينهما فاصل من فواصل تعدي احدهما علي الآخر , ثم تكون الأرض مستوية لعدة أمتار , تسهيلا للحركة , ثم ترتفع شيئا فشيئا حتي تصل مستوي السطح , ليقف كشك عمنا / محمد علي العمدة في المنتصف وقد أخذ مكانا عليّا , جوالات البلح تم رصها بصورة بديعة , ستات الشاي والأطعمة المتنوعة توزعن في جنباتها , وكعادتي كلما قدمت المحطة أعرّج علي قريبتنا ( بت مدينة ) واسلّم عليها , فمبجرد أن رأتني سألتني سؤالها المعهود : ( وين ود عمر ؟ ) وبعد السلام آخذ جُعل كل مرة ( كباية شاي باللبن ) , ومن نافلة القول هنا أننا في ذاك الزمان ماكنا نعرف كلمة ( حليب ) فكان اللبن عندنا هو الحليب , أما اللبن اليوم فكان بالأمس هو الروب , وكم سعدنا غاية السعادة بتوفر اللبن بكل أنواعه ومكوناته , كما هو الحال لكل الأسر حينها , سعدنا بهذه النعمة التي كانت تفيض خيرا وبركة .

تري أحدهم ينيخ جمله ليحمل عليه والآخر يقوم بتنزيل الحمولة , وكانت هذه الجمال هي وسيلة النقل الأولي , فهي التي تحمل أمتعة المسافرين القادمين الي بيوتهم وأهليهم , وأكثرهم شهرة وصيتا الأعمام : عوض محمد خير , وود أحمد , وقلما كان يحدث نزاع وخلاف بين أصحاب هذه الجمال , فكل واحد منهم له أسرة مخصصة ومعلومة , وحتي المسافر القادم كان يعلم سلفا وقبل وصوله من من هؤلاء سيقوم بترحيل عفشه , يعج المكان بحركة المسافرين والمستقبلين , وبعض التجار الكبار القادمين لمعرفة متي سيصل ( المخصوص ) فالمخصوص عبارة عن قاطرة لصندل أو صندلين , فليس له مواعيد محددة مثل بواخر الركاب , يتحرك بين كريمة ودنقلا لنقل جوالات البلح والفول .


لحظة الفرح الكبري عندما يؤذن أحدهم ويزف للآخرين بشري ظهور الباخرة , تتجه الأنظار كلها نحوها وهي تعطي مع ظهورها انحناءة حفظناها وأحببناها , وتمخر في استعلاء وشموخ نحو المحطة , وعند اقترابها تُطلق صافرة الفرح , فحُقّ لها ولهم أن يفرحوا , فمحطة أمنتقو ليست ككل المحطات , بل كانت الأجمل والأكمل , فان اشتهرت محطة الغابة أو الدبة أو القرير باشجار اللبخ المرصوصة في نسق جميل , فان محطة أمنتقو تمتاز عنهن بأنها العامرة في كل حين بالخيرات من أكل وشراب , علاوة علي أنها المحطة الوحيدة التي تلاصق البيوت مباشرة , فيزيد ذلك من جمالها .

ترسو الباخرة بكل تؤدة ودلال بالمحطة ليكون أحد البحارة أول من ينزل بمقدمتها عندما تلامس أرض المحطة وهو يجر من ورائه السلك الذي تربط به الباخرة , ثم بعد أن تستوي تُسحب السقالات للخارج لتشكّل معبرا آمنا للخارجين , فينزل الركاب أولا , ليصعد مباشرة للباخرة عمنا ( حمدالله / مسئول التذاكر ) ومندوب البوستة , ثم من بعدهم الركاب المسافرين .

هذه صورة مصغرة للمحطة تم تركيبها علي عجل , عشمنا من كل عشاق هذه البقعة أن يتحفونا بالزيادة , ولكم الشكر , والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته .

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابراهيم النصري
امين التوم امين الدائره ....شق الجو نزل بالطائره
-----------------------------------------------
الاستاذ الجليل عبد العظيم -سلام الله عليك.
فى سياحتك الوجدانية الثالثه وانا اتفحص الكلمات والجمل وانت تتفحص وجوه الحاضرين
معك وتكتب ما يطرأ عليها من دلالات مررت بكلمات منها (حينها ظهرت معالم الجد على
وجه محمد على العمده وهو يذكركم بشخصية يعرفها كل اهل السودان وكان من اشهر الوزراء
وبيته على بعد خطوات منكم ) .
هذه اشخصية الفذه كما قال عبد الرحمن نوره هو السيد امين التوم ساتى حمد.
هذه الكلمات عادت بذاكرتى الى منتصف الخمسينات وانا يافع صغير فى بداية المدرسة
الاوليه . وما بدأت به هذاه المقاله من بيت شعر كان هو هتاف شباب حزب الامه والانصار
فى ذلك الحين دعما لمرشح حزب الامه فى دائرة دنقلا الجنوبيه السيد امين التوم خريج كلية غردون واحد كبار رواد الحركة الوطنية الاستقلالية واحد السياسيين البارزين فى حزب الامه
وسكرتيرها العام .تقلد مناصب سياسية هامه منها وزير شئون مجلس الوزراء ووزير الدفاع
فى حكومة عبد الله خليل حتى انقلاب عبود فى نوفمبر.
واذكر انه اقيمت احدى الندوات السياسية الكبرى فى ذلك الحين امام دكان جدنا احمد حسن وحضره
جمع كبير من انصار حزب الامه .وكانت هذه الندوات بالنسبة لنا برنامجا هاما لايمكن التخلف عنه
وتحدث فى الندوة السيد امين التوم وبعض المتحدثين من ناوا وامنتقو والقرى المجاوره.
واذكر جيدا حديث التلميذ نور الدين الامين فى تلك الندوة فقد القى كلمة عن المهدية ثم اردفها
بقصيدة صفق لها الحضور كثيرا واذكر ان عوض احمد حسن نادى وهو فى (المنصه)
ابراهيم النصرى يحضر فلما وصلت اليه قال لى النكته التى قلتها لى احكيها للحاضرين ثم
قال للجمهور اسمعوا هذه النكته من ابننا ابراهيم النصرى وذكرت النكته فضحك لها الحضور
وسمعت احدهم يقول وانا راجع من (المنصه) هذه ملدرسه ستخرج لنا شياطين.
الغريب فى الامر اننى اتذكر هذه النكتة حتى الان ولكنى تحرجت من ذكرها .

سياحة وجدانية : ( 5 )

محطة : ( 4 )


لقرب المسافة بين المحطة ومرسي المعدية وأنها عبارة عن أمتار معدودة , فسنتوجّه مباشرة وسيرا علي الأقدام اليها ,حيث يقع المرسي جنوب المحطة , و من الصعب أن أعيّن تاريخا محددا لدخول المعدية الخدمة بمشرع أمنتقو , لكن الذي أستطيع تأكيده أن معدية أمنتقو من أولي المعديات في الولاية , فلا تقل ندية وعطاء عن أخواتها في دنقلا أو الغابة , وتأتي هذه الندية بما كانت تقدمه للمنطقة كلها من ربط وتواصل حميم ونافع بين الضفتين ( الشرقية والغربية ) , وكانت العنصر الفاعل في انسياب الخضروات بأنواعها الوفيرة والمتنوعة من الغرب الي أكبر سوق بالضفة الشرقية كلها ( سوق الأربعاء ) , تلك السوق التي يرتادها التجار من كل مناطق الشرق , من تمر العرب شمالا والي القدار جنوبا , وتجار من القولد يأتوا عابرين ( الحاج / سعيد نصر , والخواجات : نون / يوسف / متي وغيرهم ) .


تنقل المعدية المسافرين وأصحاب الحاجات , كما كانت تنقل الماشية بأنواعها , تتحرك من الضفة الي الأخري عند رأس كل ساعة , فان تعطلت أو دخلت الصيانة أو انتهي ميعاد عملها اليومي , فلقد كان البديل متوفرا ومتاحا ومألوفا , فقد سخر الله تعالي لأهل المنطقة رجلين كريمين من أعمامنا ( الشيخ وأخيه ) وهما من منطقة رومي البكري , ومركبهما الجاهزة في كل حين , فلم يحدث أن ردّوا من قصدهم لغرض التعدية للضفة الأخري , حتي وان كان من قصدهم تلاميذ المدارس والذين تخلو جيوبهم في الغالب من مليم واحد .


المعدية في عصرها الذهبي وقمة عطائها ارتبطت في أذهاننا , واذهان الناس وعامتهم بشيخ وقور , يجلس علي دفتها في ثقة وايمان وصبر , عمنا : ( محمد أحمد عمر ) , فلم تكن شهرته بأقل بأي حال من الأحوال عن شهرة ( أبوقدح / قائد معدية الغابة ) , وارتبطت تلك الفترة أيضا بذاك الشاب الخلوق , النشط والباش دوما ( بكراوي ) , ومسئول الماكينة عمنا / سيداحمد , ثم جاء من بعدهم الاخوة / جعفر وبابكر وغيرهم .

ومن ذكريات تلك الفترة لطيفة وفراسة تستحق أن تُذكر هنا , رغم أني لم أكن شاهدا عيان عليها , لكن الواقعة وصلتنا حينها , قصد الأخوة : عبيد ختم وعلي العمدة , أيام دراستنا بالقولد الوسطي , قصدوا الديار بالشرق , لم يجدوا المعدية ولم يفكروا في الوصول لود الشيخ , بل نزع كل منهما جلابيته , وربطها علي رأسه ليقطعا النيل سباحة حتي الشرق .


هذه لمحة خاطفة عن الأدوار التي كانت تؤديها المعدية , وصورة مصغرة للأدوار الكبيرة التي كانت تقوم بها كجسر تواصل بين الشرق والغرب , جسر تكامل وتعاضد , وأماني وغايات لحياة أرحب وأجمل , فكل من الضفتين لا يمكن لها الاستغناء عن الأخري , فتحتاج احداهما للأخري احتياج وجود وبقاء ورفاهية وازدهار , خاصة لتنوع العناصر المتوفرة في كل منهما ولكثرة التحديات التي تواجه المنطقة كلها اليوم , , لهذا ولغيرها دعوني أسجّل هنا اقرارا مشفوعا باليمين بأني طربت غاية الطرب قبل سنوات قليلة مضت ( أيام الانتخابات الأخيرة ) , عندما خاطب الدكتور / مصطفي عثمان اسماعيل لقاء ً شعبيا بمنطقة الأتر , حيث بشّر الحضور بقيام كبري لربط الشرق بالغرب في منطقة أمنتقو ( تحديدا ) , فليت هذا الحلم يجد طريقه علي أرض الواقع ليأتي متزامنا مع كهربة المشروعات الزراعية , ( فوالله لو فعلها لدخل الرجل التاريخ من أوسع الأبواب , وللبس الخيرية الحقّة بثوابها العظيم عند الله , وحفظت له الأجيال هذا الصنيع ) .

سياحة وجدانية ( 6 ) :

محطة ( 5 ) / السوق :


مباني سوق أمنتقو , مثلها مثل كل المباني الحكومية في ولايتنا , جاءت معبرة عن الثقافة التركية والانجليزية متانة ووجاهة , وكثمرة لرؤية بعيدة المدي من أهل الادارة حينها ( الخمسينات والستينات ) , فجاءت صورة طبق الأصل لكل المباني الحكومية في العديد من المدن : ( دنقلا/ أرقو / القولد/ كريمة / مروي ) وغيرها , وقد بُنيت بالطوب الأخضر , ومايجدر ذكره أن هذه المباني لمتانتها ظلت تقاوم الفيضانات الجائرة لأكثر من نصف قرن وزيادة في معظم مدن ولايتنا القريبة من النيل , فكانت مروي من أولي المدن التي استسلمت لهجمات الفيضانات .

احتل السوق موقعا وسطا غرب درب المأمور ( الدربوق ) , ومحازيا لمعلمين بارزين , فمشرع المعدية من الناحية الغربية , والبوستة من الناحية الشرقية , فجاءت الصورة ثلاثية الأبعاد , تحكي عن تقدم المنطقة وثقافة أهلها , من خلال الخدمات الجليلة والمتقدمة بمعاير ذاك الزمان لأهل العمودية ولغيرهم , صورة تنبض بالحركة والحيوية المثمرة وستظل خالدة في نفوس كل الذين عرفوا هذه المنطقة .

أخذ السوق شكلا مستطيلا , له باب كبير يفتح مباشرة علي الطريق العام , وباب آخر من الناحية الغربية عند الركن الجنوبي , قبل أن تدخل السوق ستجد علي يمينك باب متوسط الحجم يقودك مباشرة لحوش طويل , يتم ادخال الحمير فيها حتي مجئ أصحابها بعد التسوق ليأخذوها ويعودوا عليها لقراهم وديارهم , يُسمي هذا الحوش : ( بالكارة ) , يبدأ من ركن السوق من الناحية الشمالية الشرقية وحتي مكتب المحكمة , حيث تقف مباني المحكمة بين الباب الرئيس ونهاية الحوش .

وبمجرد أن تخطو خطوات للداخل من الباب الشرقي ستجد علي يمينك غرفة أمامها برندة , غرفة لها قدسية خاصة في نفوس أهل المنطقة , فهي مكان التقاضي , وساس العدل وزروة سنامه , حيث يجلس العمدة , ممثل الحكومة وأمين حقوقها وراعي العدالة , ومايجدر ذكره هنا أن هذه المحكمة ارتبطت ولفترة طويلة بشخصية العمدة / ميرغني عمر علي ( أطال الله في عمره ) حيث كنا نراه متوسطا مساعديه , وقد وقف عمنا / أبوكراوي منظما لدخول أهل الحاجات .

بعد أن تعطي المحكمة ظهرك ستظهر لك كل معالم السوق كاملة , فمن الناحية الشمالية وعلي امتداد عرض السوق قامت المحلات التجارية تحت برندة مشتركة وعلي امتداد السوق , ومقابل هذه المحلات قامت محلات تجاريه مشابهة وبذات النسق في الناحية الجنوبية , أما في الجهة الغربية فستشاهد الجزارات الرشيقة وقد تجلت فيها عبقرية التصميم , أما منطقة الوسط ففيها محلات تجارية أقل حجما وأكثر رشاقة , هي أقرب للأكشاك الكبيرة .

فجولة داخل السوق ستقودك الي جملة من الحقائق , المساحة غرب المحكمة هي لعرض كل أنواع الحبوب والمحاصيل , أما المحلات التجارية من الناحية الشمالية فستجد فيها كبار التجار من أمثال الأعمام : ( عبدالله عبدالرحيم / محمد حسن الفنجري / محمد أحمد عبدالرحيم / وغيرهم ) , أما المحلات التجارية من الناحية الجنوبية فستجد فيها الأعمام من أمثال : ( سعيد نصر / ابناء أحمد حسن / نون / وغيرهم ) , أما الناحية الغربية فكانت الأكثر روادا وحركة , حيث الجزارات وقد اكتسب الأعمام العاملين فيها خبرة وشهرة بحسن تعاملهم وبراعتهم في ارضاء هذا الكم الهائل من البشر وفي فترة زمنية محدودة , فستجد هنا الأعمام : ( ابراهيم عبد الحليم / ختم بدوي / محمد عبدالرحمن الجزار / وغيرهم ) , وطيلة تجوالك في داخل السوق ستري الذين يفترشون الأرض لعرض أنواع كثيرة ومتنوعة من السلع والبضائع وكل أنواع المحاصيل والفواكه , وقد شكلوا ممرات متناسقة تسهل حركة الزبائن , والجدير بالذكر هنا أن منطقة الشرق بصفة عامة قد بدأ فيها اهتمام جماعي ملحوظ في غرس أشجار الفواكه بأنواعها المختلفة عند بداية الستينات , لهذا كان السوق يكتسب جمالا بتلك الأنواع الجيدة المعروضة , من برتقال ومانجو وقريب فروت وجوافة وغيرها , أما المحلات في وسط السوق فكانت لمتوسطي التجار , وستجد فيها الأعمام : ( عبدالحليم قيلاب / أب زيد حجي / ودخليل / وغيرهم ) , وكنا نحرص أن نقف لدقائق بجوار محل عمنا ( ودخليل ) نمتع أنفسنا بجميل قفشاته مع زبائنه من الرجال والنساء , وهو يقوم بتعبئة ووزن تلك العطور الهندية من سرتيا ومحلبية وغيرها .

أما تلك البرحة التي تأتي خلف سور السوق من الناحية الغربية فكان يتم عرض المواشي فيها , ولهذه المساحة روادها ومحبيها , خاصة ونشاط المنطقة كلها كانت تقوم وتدور حول الزراعة وتربية الحيوان , أما نحن الأطفال فلم تكن سعادتنا بالسوق أقل عن سعادة الآخرين , فلقد كنا منتجين وفاعلين بما نعرضه فيها وتدر علينا دخلا محترما , من حبال وقلائد نصنعها من العشميق الذي برعنا فيه , وكنا نختار المدخل الرئيس لعرض منتجاتنا .

فهذه اضاءات تحكي جمال وروعة سوق أمنتقو , وكان يُسمي أيضا بسوق الاربعاء , تبدأ الحركة فيه ويزداد النشاط من عصر يوم الثلاثاء , وحتي قبل مغيب شمس يوم الأربعاء .

سياحة وجدانية ( 7 ) :

محطة ( 6 ) / البوستة :


سنتجه من السوق شرقا نقصد نافذة هامة من نوافذ المنطقة , نافذة أدّت الرسالة علي أكمل وجه حينها , حيث كانت رمزا من رموز التقدم والحضارة , نافذة أطلت من خلالها المنطقة علي المناطق الأخري , وبقية مناطق العالم , نافذة تبعد من السوق مايزيد قليلا أو ينقص عن الكيلو متر الواحد .

جلست البوستة جلسة مهيبة , في منطقة مرتفعة تأتي بعد الأراضي الزراعية والحقول مباشرة , مزارع وحقول تمتد علي امتداد البصر من اليمين ومن اليسار وأنت تجعل البوستة أمامك , جاءت مباني البوستة في صورة رائعة ومتطورة وقد لبست لباسا بريطانيا من الطوب الأحمر وسقف يأخذ شكل المثلث , خريطة تجدها تتطابق تمام التطابق بكل مثيلاتها في ولايتنا الفتية , الولاية الشمالية .

قائد البوستة كان يُسمي بالوكيل , وقد عمل ببوستة أمنتقو وكلاء كثر , لكن صورة ابن المنطقة هي التي ارتبطت في أذهاننا لسنواته العديدة التي عمل فيها , وبكل همة ونشاط , السيد / عبدالرازق عبدالعال ( عليه الرحمة ) .

بمجرد أن تصلها وتقف عند شباك من شبابيكها الجميلة والرائعة , ستشاهد خلية من النشاط والهمة والانجاز , فهي تقدم خدماتها في مجالات عدة , وبدقة متناهية وبصورة راتبة , تكشف حرص العاملين , وقدراتهم الكبيرة في تحمل المسئولية وادارتها بصورة تُسعد كل من تعامل معهم ومعها , وكانت البوستة تؤدي رسالتها وخدمتها في مجالات عدّة أهمها :

· وأولي هذه الخدمات هي خدمة البريد , البريد الواصل والبريد المرسل , حيث كان البريد حينها هي الوسيلة الأكثر والأسهل للتواصل بين الناس وبشرائحهم المختلفة , فلا عجب أن تغني الناس لساعي البريد في كل السودان , وكانت صناديق البريد تزين عنق كل بوستة وحيثما ذهبت , وكان البريد يصل من كل الدنيا متمثلا في : ( الجوابات / المجلات / الطرود ) , والجدير بالذكر هنا أن تكلفة ترحيل تلك الجوابات كانت تتم بقيمة تلك الطوابع جميلة الشكل والتصميم , ومن شدة جمالها واهتمام البعض بها , كان تجميع أكبر عدد منها هواية عند البعض يُفاخر بها .

· خدمة البرق , أو ماكان يُسمي بالتلغراف , وهي الوسيلة الاسرع و ولهذا كان الناس يكثرون من استخدامها في الامور العاجلة ,ويأتي خبر الوفيات في صدارتها , لهذا كان الناس ترتعد فرائصهم عندما يتلقون برقية .


· خدمة الهاتف : كل بوستة كانت بها كشكا صغيرا به هاتف للتواصل .

· خدمة تحويل الأموال : ماعرف الناس البنوك وخدماتها في منطقتنا الا مؤخرا , فكانت مكاتب البريد ( البوستة ) تؤدي رسالة تحويل الأموال و وبخاصة للطلاب البعيدين عن ذويهم , وكانت محل ثقة الناس كل الناس .

رواد البوستة كثر , مناديب كل الموسسات الحكومية الموجودة في المنطقة , التجار , الطلاب , الآباء وغيرهم .

سياحة وجدانية : ( 8 )
محطة رقم : ( 7 )

وجهتنا اليوم جنوب السوق , والجدير ذكره هنا أن السوق لا يتوسط قرية أمنتقو , بل المساحة جنوب السوق هي الأكبر ,ستمضي رحلتنا حتي وصول شفخانة أمنتقو وحيث أننا وكما بدأنا فسنسلك الدربوق حتي نهاية السياحة , ولكن قبل أن نصل الي الشفخانة , فسيكون مرورنا علي معالم هامة ورموز كبيرة أثرت اثراء عظيما ورفدت مسيرة المنطقة كلها باشراقات عديدة وفي حوانب مختلفة من جوانب الحياة , فهاهي الطاحونة التي تخدم شريحة كبيرة من الناس , وتتجاوز بخدمتها سكان المنطقة للمناطق الأخري ( كما حدثنا الأستاذ / ابراهيم النصري عنها ) , فهي تقع في الجنوب الشرقي من السوق , ولا تبعد عنه سوي خطوات قليلة , وتقف مقابلة لدكان الخواجة : ( أنور يني ) فلقد كان لدكانه أثره وعطاؤه , ذاك العطاء الجمعي من كل أفراد تلك الأسرة .

· وأنت تتجاوز دكان الخواجة وتهم بتجاوز جدول الساقية الأولي التالية مباشرة , سيثير انتباهك محل صغير يقع يسارك شرق الدربوق , لكنه دون أدني شك سيترك انطباعا طيبا في نفس جميع العابرين لسببين : أولاهما طيبة صاحب المحل وبشاشته في كل حين لزواره وللعابرين ( العم / عثمان بيه ) , وثانيهما جمال مايقوم بتصنيعه , تلك السروج الزاهية الألوان , بجودتها ومتانتها , فبعضها معروض أمام المحل , وأخري يقوم بحياكتها وصناعتها أمام المارة , ولثقافة الناس وعاداتهم حينها فلقد كان امتلاك سرج من تلك السروج الجميلة حلما يراود أحلام الكثيرين .


· معلم آخر بارز من معالم أمنتقو , يقع علي الدربوق من الناحية الغربية , دكان لكنه ارتدي ثوب الحداثة بجدارة واقتدار , شكلا ومضمونا , فجاء بناؤه ملبيا لاحتياجات رواده بتعدد رغباتهم , فمنهم من يقصد المحل بغرض البيع والشراء , وآخرون بغرض اجراء محادثة هاتفية ( كشك الهاتف الجميل ) , وأؤلئك الباحثون عن الثقافة في صورها المتعددة من شعر وأدب وسياسة وطرب ,سيجدوا ضآلتهم هناك , ذلكم هو دكان أولاد / أحمد حسن ( عليهم رحمة الله ورضوانه ) .


· وأنت تتجه جنوبا ستقابلك دار ليست ككل الدور , فهي الأجمل والأوسع والأشمل , وأول مايلفت النظر في هذه الدار سورها العالي الممتد , والمباني الفخمة التي حوتها , علاوة علي مابداخل السور من أشجار الفواكه الخضراء من برتقال ومانجو , فتزيد المكان روعة وبهاء , تلكم هي دار العمدة : ميرغني عمر علي ( حفظه الله ) فهي الدار الأشهر التي استقبلت العديد من المسئولين وضيوف المنطقة ولسنوات عديدة ( ابان فترة الادارة الأهلية ) .


· يقابل هذه الدار من الناحية الشرقية للدربوق مرفق خدمي , ويعتبر من أهم المرافق حينها , قدّم للمنطقة كلها أجل وأعظم الخدمات ( خدمة العلاج ) , فلقد كانت الشفخانة الأشهر بمساهماتها الفاعلة بين الناس , ومن أشهر المساعديين الطبيين الذين ارتبطوا بها وارتبطت بهم سنوات عديدة , عمنا : خضر عبيد / عليه الرحمة , وأيضا المساعد الطبي : أوقستينو , ولا ننسي هنا الدور المتعاظم و لسنوات عديدة للممرض / عمر الفضل .


رحم الله الأموات منهم , وجعل الجنة مثواهم , وللاحياء دوام الصحة والعافية .

أستاذنا الجليل عبدالعظيم ساتي بارك الله فيك تابعت بإهتمام مبالغ كلمة كلمة سطر سطر بيت بيت ، حديث لا يمل منه القاريء خاصة أهل المنطقة حديث هو في حد زاتو سياحة،، ما في زول كتب كده ولا رطن ولا عبر، بس أهان نطمع المزيد أنا مهتم بالسياحة في السودان عموماً وخاصة في منطقتنا حلفا سكوت محس دنقلا .. واصل بدون فواصل ونحن نتابع بدون ملل وفواصل.. أهان شن تقول؟
عباس حسن محمدعلي طه - جزيرة صاي يقول أنها سياحة مجانية ويشكر أستاذ عبدالعظيم ساتي

الأستاذ عبد العظيم حياك الله وبياك ورحم والديك وأكرمهما بجنة النعيم آمين
شكراً لك ياصاحب القلم الرشيق وصاحب العبارات العسجدية لك التحية وكل الود وأنت تسطر عن مسقط الرأس وموطن الأجداد
لقد عادت بنا الذاكرة لتلك الأيام - أقول الذهبية وتذكرنا أيام الصبا وسوق الأربعاء له ذكريات جميلة
وإن شاء الله لو تمكنت للعودة سوف أعود ولكنك أنت تعلم الشواغل كثيرة وقد أصابنا رهق الحديد