أربعائية الدناقلة بجدة ( شات بالرطانة )

بيان من منتدى الأربعائية الثقافي بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله، شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم ان تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون. وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم" صدق الله العظيم.
في هذه الأيام المفصلية التي تشهدها بلادنا، وفي هذا المنعطف العظيم والتحول التاريخي الأهم في تاريخ السودان، ونحن نستشرف ميلاد فجر جديد لهذا الوطن تتمدد أشعته لتضيء كامل أرجائه، وتجمل مداخله بالألق الأسنى وتزيح عن كاهله ذلكم الحمل الثقيل، والظلام الذي خيم عليه لعقود من الزمان، حتى كاد الياس من انبلاج فجر الحرية والعدالة والسلام يدب في النفوس التي لم تعرف الونى ولا الخنوع ولا الركوع لغير الخالق عز وجل، كانت هبّة الشعب بكامل مكوناته تحمل في عنفوانها رياح التغيير الصرصر العاتية، تقتلع الظلم والفساد والمحسوبية، وكافة اشكال تكميم الأفواه، وكبت الحريات. وتبشر بميلاد وطن جديد يستند على أكتاف أبنائه الأوفياء، وينهض على أفكار ترتكز على معطيات حضارة هذا العصر، وعلى موروثات أسلاف لنا كانوا أول من عرف التوحيد، ليكتمل البناء على أسس سليمة، وقواعد متينة ومواد سودانية خالصة، خالية من سموم وسوس كل المتربصين بهذا الوطن الغالي، وليتسع لكافة أبنائه الذين أنهكت قواهم وشتت عزيز شملهم المهاجر والمنافي المختلفة.
لقد ظللنا نحن الذين قدر لنا أن نتابع ما يجري في السودان من نوافذ الغربة، يحرقنا الشوق الى المشاركة مع أخوتنا في وقفتهم الصامدة، ويهيّج وجداننا ذلكم الفرح الخرافي الذي نراه يرتسم على الوجوه عندما انكسر حائط التيه والقهر والظلم، وتلهب أنفسنا الظامئة شواظ عدم القدرة حتى على مجرد التعبير والوقوف الوجداني مع اخوتنا في الداخل وهم يجيبون عمليا عن سؤال ظل يؤرق كل المتابعين "كيف ستسقط دولة الأمن المستحكم والفساد المستشري؟" . لكن الله الذي ينزع الملك ممن يشاء، نزع الخوف من تلك القلوب التي تواصت على الوطن، ليزرعه رعبا في نفوس أولئك الذين نسوا الله في غمرة سطوة الحكم وجبروت السلطة، فاصبحوا يخرّبون عرش سلطانهم بأيديهم، فاصبحوا كأنهم خشب مسندة تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، قاتلهم الله أنى يؤفكون. فالتحية لكل شباب الوطن، لكل رجاله ونسائه، ولكل من شارك في هذه الثورة الميمونة، حتى ولو بالنية والدعاء الصادق. ومن هنا نؤكد دعمنا التام والكامل لحركة التغيير ومحاربة كل أوجه الفساد والتسلط والجبروت، وبناء دولة العدل والقانون يشارك فيها كل أبناء السودان بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم دون اقصاء أو تهميش لأحد، ومحاربة القبلية والجهوية والعنصرية البغيضة، وأن يكون السودان وطنا للجميع، يكفل حرية العبادة والتعبير، وعدم التعدى على حريات الآخرين.
لقد آلمنا أن نرى أن هناك فئات تحاول سرقة الثورة، مجموعات كانت هامدة فلما نجحت الثورة اهتزت وربت وأرادت أن يكون لها موطن.هؤلاء هم الذين يجب أن يقف الجميع أمام طموحاتهم الرامية الى اقتطاف ثمرة الثورة. فالثورات عادة ما يخطط لها الأذكياء، وينفذها الشجعان، ويقتطف ثمرتها الجبناء، لكن الوعي الذي رأيناه يتجسد في شباب الثورة، والشجاعة التي تحلوا بها، هي الضمانة التي ستحول دون هؤلاء الجبناء من أن يظهروا فجأة وسط الجموع ليصبحوا من ثم هم المتحدثون باسم الثوار، ويدعون بأنهم مفوضون من قبلهم. الشباب هم من أشعل فتيل هذه الثورة الميمونة وهم مصدر اشعاعها ونورها.
في مثل هذه الظروف التي يعيشها الوطن تصبح معاني الآية الكريمة التي استهللنا بها هذا البيان هي النبراس الذي نهتدي به، الخوف من الله، والقسط، والعدل، وأن لا يمنعنا اجرام البعض من أن نعدل في الآخرين. وحتى نقيم دولة العدل والقانون، فان المسؤولية مسؤولية الجميع، وعلينا جميعا تقع مسؤولية المناصحة وأن لا نغض الطرف عما نراه منحرفا عن الخط العام، ومن هذا المنطلق فان منتدى الأربعائية الثقافي بجدة، وهو كيان ثقافي، كان قد أولى المسألة السودانية اهتماما متزايدا، فأقام ندوتين ثقافيتين ضمتا العديد من المثقفين المهتمين بالشأن السوداني، الندوة الأولى كانت في العام 2010م قبيل انتخابات الرئاسة وكانت عن الأسس الديمقراطية لانتخابات الرئاسة ، والثانية كانت في العام 2016م وقد خصصت للأجابة عن السؤال الكبير ( كيف يحكم السودان؟) وقد لخصت هذه الندوة تحديدا كل الإخفاقات في الممارسة السياسية للنظام المخلوع، كما تناولت بالنقد آليات الحوار الوطني، وفي الورقة التي قدمها مندوب الأربعائية الأستاذ محمد يوسف محمد أحمد في ندوة الحوار الوطني بجدة كان قد دعا الى ضرورة قيام مجلس عسكري انتقالي يمهد الطريق الى قيام حكومة منتخبة من كافة القوى والفعاليات الوطنية.
واليوم نقدم في هذا البيان رؤية منتدى الأربعائية المنبثقة من الحوار الذي تم في جلسة الأربعائية مساء الجمعة الثامن عشر من شهر أبريل 2019م :-
1- مع تثميننا للدور الكبير الذي لعبه تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، الا أننا لا نقبل أن تشكل الحكومة الانتقالية من جهة واحدة بل يجب أن تشارك كافة القوى دون اقصاء لأي جهة، الا أولئك المتورطين في جرائم فساد، وأن يكون للشباب في هذه الحكومة الحضور الذي يليق بتضحياتهم ومجاهداتهم، فالشباب هو كل المستقبل، مقتدين في ذلك بالمصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أوكل قيادة الجيش لشاب لم يبلغ العشرين من العمر سيدنا أسامة بن زيد وجعل تحت امرته كبار الصحابة أمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنه، أو بأبي بكر الصديق الذين أوكل مهمة جمع القرآن الكريم الى شاب في مقتبل العمر هو زيد بن ثابت على الرغم من وجود كبار القراء أمثال أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وهذان أمران من أهم أمور الدولة الجيش والدستور.
2- نرى أن تشكل الحكومة الانتقالية والتي يجب أن تكون لها مهام محددة من الكفاءات الوطنية على أن تخلو هذه الحكومة من الكفاءات التي تحمل جنسيات مزدوجة، او التي تحمل اقامات وتحت كفالة مواطني دول أخرى، فمن أكثر ما أضاع هيبة النظام السابق أن الكثير من أعضائه كانوا يحملون جنسيات دول أخرى كما كان العديد منهم يحمل اقامات دول أخرى وتحت كفالة مواطني تلك الدول، يجب أن تتشكل الحكومة من شخصيات سودانية لا تعرف انتماء لأية دولة أخرى غير السودان، وأن يكونوا من الذين عاشوا في السودان وعايشوا كل ظروفه.
3- إيقاف اهدار المال العام المتمثل في زيارات المسؤولين السودانيين للدول الأخرى، فلقد لاحظنا خلال النظام السابق أنه ما أن يتم تعيين وزير أو أي مسؤول آخر، الا ويمنح تأشيرة عمرة أو حج بكامل التكاليف، كما كانت تأشيرات العمرة والحج تمنح سنويا لمدراء الإدارات ووزراء الولايات، ومن ثم كانت هنالك اعداد هائلة من المسئولين يأتون على نفقة الدولة، ناهيك عن الزيارات الأخرى الى ماليزيا وتركيا وغيرهما، كما كانت هنالك أجنحة في أفخم وأغلى المستشفيات محجوزة لمسؤولي النظام السابق، يجب إيقاف كل هذا العبث واهدار المال العام.
4- النظر في أمر الضرائب التي كانت تفرض على المغتربين، مثل ضريبة المائة ريال التي انتفت مبررات فرضها، ولكن ما يزال هنالك إصرار على فرضها وجبايتها. يجب بحث مصارف هذه الضريبة، سواء تلك المبالغ التي كانت تخصص للقوات المسلحة أو تلك المخصصة للقنصليات وجهاز العاملين بالخارج، أما تلك المخصصة للجالية فان القنصليات والسفارات هي التي تتحكم فيها، وقد جرى عمدا تعطيل تكوين الجاليات حتى لا تطالب بهذه المبالغ ، ونرى أن تلغى هذه الضريبة فورا، أو أن تتنازل عنها كل الجهات المذكورة وتخصيصها لدفع أقساط التأمين لكافة المغتربين، ونظرا لكبر أعداد المغتربين وانتشارهم في مناطق متباعدة في المملكة فان آلية جمع أقساط التأمين ستكون مكلفة وغير ناجحة اذا تركت للأفراد ، والحل المثالي لسداد الأقساط هو أن يتم من مال الوفاء (ضريبة المائة ريال) ، واذا تمت الموافقة على هذا المقترح يتم عقد ورشة عمل من قبل المختصين في مجال التأمينات لدراسة التغييرات المقترحة في بوالص التأمينات لتحقق استفادة المغتربين منها عند عودتهم الى الوطن.
5- نرى أن تتم محاسبة كل المسؤولين عن الأوقاف السودانية سواء في الداخل أو في الخارج على الدمار الذي حدث للأوقاف السودانية، ففي الخرطوم على سبيل المثال هدّمت كل الدكاكين في ميدان "أبو جنزير" قبل أكثر من عشر سنوات وما زالت مهدمة، وفي المدينة المنورة تابعنا جميعا الأحداث التي وقعت على الأوقاف السودانية، أما في جدة فحدث ولا حرج، فقد صدر قرار في العام 2006م بإزالة مباني البعثة وإقامة برج تجاري من قبل البنك الإسلامي للتنمية، ومن ثم تم اخلاء مبنى البعثة المكون من عدد من الطوابق والشقق السكنية على اعتبار أن المبنى به شرخ وغير آمن للسكن، كما أخلي المبنى الذي كانت تستعله القنصلية السودانية التي انتقلت الى مباني (مؤجرة بمبالغ كبيرة) . تخلى البنك الإسلامي عن قراره في إقامة الأبراج التجارية، ثم جاءت لجنة هندسية لتعلن أن الشرخ بالمبنى غير مؤثر وأن أساسها متين، وعلى الرغم من ذلك فقد ظلت مباني البعثة مهجورة لسبب بسيط، وهو أن المسؤولين بالبعثة ما ان صدر قرار الاخلاء، الا وقاموا بإزالة الأبواب والشبابيك والمكيفات وكافة مكونات شقق عمارة البعثة لتصبح العمارة التي كانت ذات يوم تحتوى على أول مصعد كهربائي في جدة وكرا للغربان، أما الفلل والمساكن الأخرى فيقطنها سودانيون لا يدفعون ايجارا بل ويورثونها لذويهم اذا ما انتهت اقامتهم، أما مبنى القنصلية فقد أصبح مهجورا هو الآخر ، وكان بالإمكان الاستفادة من هذه المباني بترميمها وعرضها للإيجار، يجب محاسبة كل المسؤولين الذين مروا على وزارة الأوقاف محاسبة دقيقة.
6- مع التطورات التي حدثت في مسألة التاشيرات، فاننا لا نرى ضرورة بأن يكون هناك جهاز للمغتربين لا نرى له أي مساهمة في تفعيل دور العاملين بالخارج، او التحدث انابة عنهم وتمثيلهم، لذا نرى أن يضم هذا الجهاز الى وزارة الخارجية بعد محاسبة المسؤولين في هذا الجهاز عن الاستثمارات التي أقاموها باسم المغتربين.
7- إيقاف الفوضى في الكيانات التي تمثل المغتربين (الجاليات) وذلك بإصدار قانون موحد يحدد طرق وآليات تكوين الجاليات السودانية في الخارج، مع مراعاة أن لا تتدخل القنصليات والسفارات في تكوين هذه الجاليات ان قيام جالية تمثل كافة المغتربين أمر مهم للغاية وضرورة يحتاجها المغتربون ، ان عدم وجود جالية تجمع كافة السودانيين المقيمين في هذه المنطقة من المملكة العربية السعودية وتشكل الوعاء الجامع لأفكار ورؤى الكوادر المؤهلة من أبناء السودان الذين تعج بهم الجامعات ومراكز البحوث العلمية والشركات العالمية الضخمة والذين بإمكانهم توجيه المسار الوجهة الصحيحة وبلورة رؤى ممنهجة لكافة القضايا والمعضلات نؤكد بأنه حان الآن الآوان لتحطيم منصة الاختلافات التي حملّت تبريرات المتهربين من تحمل المسئولية والذين يعلّقون على مشاجبها كافة المشكلات. من العار أن يظل هذا الوجود الكبير للسودانيين بلا كيان يجمع شتاتهم ويوحد رؤاهم .
لقد عرفت هجرة السودانيين الى السعودية في العقود القليلة الماضية تحولات جذرية عميقة لعدة عوامل وأسباب من ضمنها: معطيات العولمة، وتزايد اعداد الأسر والمرافقين، وعدم تحديد مدى زمني للهجرة، وبروز جيل جديد ولد وترعرع خارج السودان ، واتساع مجالات أصول السودانيين المهاجرين لتشمل جميع ولايات السودان مع تنوع الخلفيات المهنية لهم، وكان لا بد لهذه الأسباب مجتمعة أن تخلق مشكلات اقتصادية وثقافية واجتماعية وتعليمية قد تتحول -أن لم نتداركها- الى بركان ثائر أو فيضان غامر لن يعصمنا منه جبل التجاهل وغض الفكر عنه. ان دول الخليج وعلى راسها المملكة العربية السعودية، دول جاذبة، وهي تعتبر سوقا للعمل وفرصة للعمالة الوافدة، علينا أن نستفيد من هذه السوق ووضع الدراسات اللازمة لمتطلباتها، يجب وضع ضوابط للهجرة وعدم تركها للعشوائية السائدة الآن، وذلك بالتحقق من عقود العمل التي تقدمها الجهات المختلفة وأن لا يخرج سوداني للعمل الا وفق الضوابط التي تضمن له حقوقه كاملة غير منقوصة.
1- آخر ما نشير اليه هو ما يتعرض له المعتمرون القادمون من السودان، فان وكالات العمرة تستقطع منهم مبلغ مائة وعشرين ريال وهي رسوم تأكيد الحجز على البواخر ، ونرى أن هذه الرسوم لا مبرر لها طالما أن المعتمر قد دفع قيمة تذاكر السفر بالبحر كاملة،
سائلين الله أن يحفظ السودان وان يول علينا من يطيع الله فينا ويحقق العدل والمساواة والحرية " فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله، ان الله بصير بالعباد"
عن منتدى الأربعائية
\سيف الدين عيسى مختار