واوور الحكاوي القديمة ..

الأخوان
pusharhawad
وليد الشوق
كمال على
عمر مقاصر
محمد يوسف محمد أحمد

أشكركم جزيل الشكر على هذا المرور الجميل ، وتعالوا معا نؤرخ ونوثق لابداعات تلقائية تزخر بها منطقتنا دنقلا الحبيبة ، عبر الحكاوي والقصص الواقعية التي تنفلت أحيانا من أناس بسطاء لكنهم عميقو الفلسفة والفهم للحياة ..

سيف الدين عيسى مختار

4 فتو ى دنقلاوية 2 (انورتي)

بعض الكلمات الدنقلاوية تصف المعاني بشكل معجز لا أعتقد أن اللغات الأخرى تتوفر على تلك الخاصية، منها كلمة (انورتي) وقد تنطق بالطاء لدى البعض، وأذكر من المواقف المضحكة أن أحد أساتذة اللغة العربية بدنقلا سأل طلبته أن يدخلوا كلمة (النور) في جملة مفيدة، فقام أحد الطلبة الدناقلة وقال بعفوية تلقائية (انورتي) فضج الجميع بالضحك، فاستخدام العربية بنكهة دنقلاوية كان من الأمور التي نتندر بها، وكنت في لقاءاتي المختلفة أطلق على ذلك الأسلوب (بلاغة اللكنة) مثل الرجل دي والمرة دا، فأقول أنه اذا كان الرجل عديم المروءة والفائدة أنث فقيل له (الرجل دي) واذا كانت المرأة ذات مواقف مشهودة يقال لها (المرة دا) وهلم جرا، واذكر أن أحد أبناء قريتي الزورات كان متزوجا من مصرية، وحدث أن استدعى الى المحكمة في قضية وأصدر القاضي عليه حكما بالسجن، فكتبت زوجته استرحاما فاستبدل الحكم الى السجن مع وقف التنفيذ، فخرج أهل القرية وقد أعجبهم ما فعلته تلك الزوجة فقال احدهم مخاطبا الجمع الذي حضر ( ما تندهشوا مرتو (زوجته) عندو ليسانس حقوق كان خاتيه لليوم الزى دى)...وكان لنا أحد الزملاء يعجبه أن يغيظ استاذنا الجعلى بمثل هذه العبارات فكان كثيرا ما يقول (يا أفندي أنا قاعدة ساكت دي ضربتني) فيستشيط الأستاذ غضبا ويقول (الله ينعل اللغة دي)، وذات مرة طلب فراش المدرسة من الزميل (الدكتور الفاتح محمود بشير) وكان موهوبا في الغناء اضافة الى نبوغه الأكاديمي، قال له (يا أخي بالله غني لينا حبيبتى الحلوين) قال له ليست هنالك أغنية أسمها حبيبتي الحلوين، قال الفراش (حبيبتي الحلوين أهلا جاتني أنا مش قايل، سمحات زي دول بزوروني) فامتعض الفاتح وصار وجهه يلعن قفاه كما يقولون.
جاء أحد الأقرباء واستفتى شيخنا فقيرتود قائلا له (اذا عاشرت أهلى في اللية ثلاث مرات، هل اغتسل مرة واحد ويجزيني ذلك أم اغتسل ثلاث مرات) فأفتاه الشيخ فقيرتود بقوله (أنورتي؟) فغضب السائل وقال (يا أخي دا سؤال ديني) فأجاب الشيخ (أنت تعاشر في الليلة تلاته مرات ؟ ؟ أنورتي .لو عاشرت مرة واحدة في السنة كتر خيرك ) .. ونواصل

سيف الدين عيسى مختار
عفا الله عنه

التحية والتجلى للاخ الكريم/ سيف الدين عيسى مختار
حقيقة ابداع ورائئئئئئئئئعة كتابتك لانها قريبة من واقعنا لكن بالله قول لى ماهى العلاقة بين الخلاوى وشجرة اللبخ الكبيرة حتى عندنا فى منطقتنا هذه الشجرة الكبيرة الظليلة مرتبطة بالمسجد لك التحية
ومنتظرين الحكاوى من الواور

اخي سيف الدين
لقد سلبت لب اعضاء
المنتدى بحلاوة حديثك
وطلاوة سردك القصصي
البديع00
لك مني كل تقدير
وإعزاز
سلامي لكل الحضور



0

الأخوة أعضاء المنتدى على العموم وأعضاء الأربعائية على الخصوص ,,لكم التحية ,,
ارجوا قبول هذه الخاطرة فى هذه المساحة ريثما يتم التحضير لمكان الأربعائية بين برامج هذا المنتدى الرفيع 0
تشرفت بالأمس وللمرة الأولى بزيارة الأربعائية الخاصة بجمعية دنقلا الكبرى بالمطار القديم وكانت ليلة رائعة بحق كنت اتمنى وجود كل اعضاء منتدانا فيه ,,لكن ,, ما باليد حيلة 0
ان أهم ما يلفت نظر المرء وهو مقبل على مكان التجمع هو تلك الهامات المرفوعة بالبشر والترحاب والذى يعلوها وبكل فخر العمامة السودانية الرائعة التى تجسد ( زول ) المنطقة وتراثه الحى النابض بالحياة 0
ان هذا التجمع يعكس معانى سامية جداً تتجسد فى الوحدة والتآخى والتراحم بين ابناء المنطقة فى زمن كثرة فيه كل مظاهر الفرقة والشتات ونسيان المسئولية تجاه المنطقة وانسان المنطقة , وتفتح أفاقاً رحبة للتكاتف ولم الشمل لتقديم كل ما هو مفيد للحبيبة الغالية ( دنقلا الكبرى ) 0
ومما زاد سعادتى تعرفى بأناس كنت أعرفهم بأسمائهم الحركية فقط , ووجدتهم من خيرة أبناء المنطقة الذين يمكن الإعتماد عليهم , ويفرحون القلب بأسارير وجوههم البشوشة وحسن ضيافتهم للآخرين 0
وكالعادة , كانت للأربعائية أجندتها التى طرحت للمناقشة , وانا لا أود الخوض فى تلك الأجندة فى هذه العجالة حتى اترك الفرصة للقائمين على الأمر , وانما أود الإشارة فقط لموضوع الخطة السكنية للمغتربين بمدينة دنقلا التى قدم ورقتها الأخ ياسر سيد ميرغنى ولظروف خاصة به غادر المكان قبل مناقشته من قبل الحاضرين , وكنت قد وعدته ضمن آخرين بتسليط الضوء على الموضوع وفقاً للرؤية التى يتم بها تناول الموضوع 0
وحيث ان مضمون المقترح كما جاء بالورقة ان يتم تخصيص مساحة من الأرض بمدينة دنقلا للمغتربين فى حدود ( 3-5 ) كلم مربع يحتوى على المساكن والمرافق الحكومية والمدنية والخدماتية وتلك الخاصة بالمرأة والشباب وغيرها من متطلبات السكن الحديث , فقد كان السؤال الذى قمت بطرحه على الحاضرين , ومن ضمنهم الأخ الدكتور احمد بشير عبد الحفيظ القادم من المنطقة , والمهموم بهمومها , هو : هل توجد مساحة داخل مدينة دنقلا بحدودها الإدارية الحالية لتسع ذلك المشروع ؟
أنا بحكم معايشتى للمنطقة بصورة منتظمة , أعلم أن مدينة دنقلا القديمة لا توجد فيها تلك المساحة المطلوبة , وقد تم تخطيط المساحات المحيطة بدنقلا القديمة وتم توزيعها للمواطنين , أما بالنسبة للمناطق التى تم دمجها بالمدينة , فمثلاً من الجنوب ارتدى والخناق وشيخ شريف ويوجد فى محيط هذه الأحياء من جهة الغرب مشروع زراعى كبير هو مشروع اكثار البذور , وبالتالى لا توجد المساحة المطلوبة , وينطبق نفس القول على المنطقة التى تقع شمال دنقلا حيث ان المساحات المحيطة بها وهى من الغرب لوجود النيل بالجهة الشرقية كلها قد تم توزيعها كخطط اسكانية ومشاريع زراعية ( مترات ) 0
كان رأى الدكتور احمد بشير , يشير الى وجود المساحة المطلوبة غرب طريق الشريان وهى المساحة التى تقع جنوب مطار دنقلا , وعندما أشرت اليه بوجود حيازات زراعية فى تلك المنطقة , رد بالقول ان معظم تلك الحيازات قد استردتها الحكومة من المواطنين لعدم استثمارها من قبلهم , وبالتالى يمكن ايجاد المساحة المطلوبة فى تلك المنطقة , ثم طرح اقتراح آخر مفاده ان يتم قيام السكن داخل مشروع اقتصادى أياً كان , وبالتالى تعم وتزيد الفائدة للمنطقة كلها , وقد كان لهذا الراى وجاهته رغم الصعوبة العملية فى تنفيذه 0
وأشار أحد الأخوان المشاركين بتعاطى المسائل من القاع للأعلى بحيث تكون الأولوية لنهضة المنطقة وما يمكن ان تساهم به الجمعية فى بناء هذه النهضة ثم تاتى مسالة السكن فى مرحلة تالية لذلك 0
وقد ظل الجمع الكريم فى مناقشة اجندة الأربعائية حتى جاوزت الساعة الواحدة صباحاً وظهرت على وجوه البعض امارات القلق من عدم تمكنهم من لحاق أعمالهم صباح الخميس , وقد كنت احد الضحايا حيث صحوت من نومى فى الوقت الذى يفترض فيه ان اكون بمكتبى ,,,ولنا عودة ان كان فى العمر بقية ,,, ودمتم ,,

الأخت الكريمة سميرة طه

لك التحية والتقدير، وشكرا على المرور، والحديث عن الأشجار، وخاصة أشجار اللبخ يقودنا بالضرورة الى نظرة الناس هنالك الى الأشجار وتقديسهم لها، وهنالك حادثة وقعت لي وأنا صغير ما زالت حية في خيالي، فعلى جدول المشروع الزراعي بالزورات هنالك مجموعة من أشجار السيال (القندى) يعتقد الناس أن من يلتقط أغصانها يصاب بضرر كبير كالشلل وغيره من الأمراض.. كنت أسير رفقة أختي بالطريق العام (الميري) فالتقطت أختى بعض الأغصان اليابسة من تحت شجرة القندي، فاذا باحدى قريباتنا تنتزعها بقوة من يد أختى محذرة أياها أن تفعل ذلك ان أرادت السلامة، منذ ذلك الوقت وتلك الصورة في مخيلتي تماثل الشجرة ذات الأنواط التي كان يعبدها العرب في جاهليتهم.
وفي منزل العم مكاوي بغرب بنا (أو في ضيعته على أدق تعبير) كانت تحيط بالمنزل أشجار وارفة الظلال، وكان هو يجلس على أريكته تحت ظلالها في سويعات الأصيل، على كرسي قماش، فاذا رآني في صالة الطاحونة منتظرا دوري في الطحين، كان يناديني (تعال يا ود العمدة) فاستمتع بكاسات الشاي المنعنع والزلابية، ريثما ينتهي الأوسطى (هنتل) وهذا كان اسمه من طحن القمح الذي أحمله. رحم الله العم مكاوي رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته..
أما شجرة اللبخ الكبيرة أمام مسجد الزورات، فيقال أن الشيخ محمد عثمان (أو محمد فقير) عليه رحمة الله تعالى رعاها وأنبتها بماء الوضوء وتعهدها حتى غدت شجرة ضخمة أصولها ثابتة وفروعها مشرأبة الى السماء، واعتقد أن القدسية التي تجدها الأشجار الضخمة أمام مساجد دنقلا تأتي من أنها تسفى مما يهريق عليها من مياه الوضوء فتصبح أشجارا مباركة ظليلة ، ثم انتقلت الأشجار الى منازل العمد والمشايخ حتى تكون مأوى للضيوف الذين لا تخلو منهم منازلهم.
وبالمناسبة .. كان والدي عيسى مختار رحمه الله كثير الترحم والدعاء للعمدة طه عليه رحمة الله، وذلك لأنه العمدة طه جاء زائرا لوالدي في بداية أواسط الأربعينات فوجده منهمكا في تحديد المكان الذي سيقيم فيه منزله، فقال له العمدة طه(ان أردت مشورتي فسأدلك على أفضل موقع تقيم فيه منزلك، فدله على موقع غرب الطريق العام(الميري) ، وما كان الناس وقتها يبنون منازلهم غربي الطريق، ربما لأنهم كانوا يريدون أن يكونوا قرب النيل ما تيسر لهم القرب، ، وبالفعل أخذ والدي بمشورة العمدة طه واكتشف أن ذلكم الموقع من أفضل المواقع .. رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جناته ..

سيف الدين عيسى مختار

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سيف الدين عيسى مختار

2 (يا هذا الناس)

في الزورات شجرة لبخ كبيرة أمام مسجد القرية، وهي شجرة ضخمة اترعت من النيل وجرى في عروقها الماروق فاخضوضرت وهيأت للناس ظلا ظليلا ومكانا ملائما للاجتماعات، خاصة اجتماعات لجنة المشروع الزراعي، وهي تظلل بأغصانها الوريفة ساحة المصلى الملحق بالجامع، حتى اذا جاء دعاء الامام المتكرر كل جمعة (وأرض اللهم عن أصحابه البررة الذين بايعوا نبيك تحت الشجرة) ذهب خيالهم الى شجرة اللبخ أمامهم.
وفي احد تلك الاجتماعات اتخذ الجميع مواقعهم تحت الشجرة واحتدم النقاش، فقام صديقنا خطيبا، صفق بيديه لينتبهوا، فأينعت العمائم أمامه وازدهت الشالات، أراد أن يلفى عليهم خطبة عصماء، لكنه ارتج عليه، وبدأت شفتاه بالاصطفاق الشديد واصابته حالة من الرجفان المتواصل وجفاف في الحلق، فقد كانت المرة الأولى التي يقف فيها أمام جمع من الناس، وسرت حالة من الصمت الرهيب، فقد أصاخ الجميع ليسمعوا ماذا يقول هذا الخطيب المفوه، وطال صمت الخطيب ثم فتح الله عليه بالاستهلال فقال (يا هذا الناس .. يا هذا الناس) عندها انفجر الجميع بالضحك الهستيري حتى بانت نواجذهم التي نخرها السوس وصبغها الصعوط .. أحمد سعيد استلقى على ظهره وهو يكركر، دونجه أمسك بطنه وهو يردد (يا لطيف.. يا لطيف) خير الله قال له (طالما مش قادر ايه اللى جبرك انزل) .. ظل صديقنا يراقب المنظر أمامه دون أن ينبس بكلمة ثم انفجر هو أيضا ضاحكا، ذلك عندما كان الناس يضحكون والزمن يسمح بالضحك.. من تلك اللحظة أطلقوا عليه لقب (يا هذا الناس) فأصبح ملتصقا به .. بعدها اكتشف ان الشيء الوحيد الذي يتفق عليه أهل القرية هو الضحك على الناس ..

سيف الدين عيسى مختار
عفر الله له

الأخ سيف ,,, نحمد الله أن صديقك لم يتعقد وبالتالى لم يفكر فى الهروب الى شمال الوادى أسوة بمن سبقوه من الناس 0

الأخ الكريم محمد على الملك

شكرا على هذا المرور الجميل الرائع، ولقد قصدت أن أطلق شارة البدء على أن يكمل الأخوة بقية المشوار، فدنقلا كانت لها نكهة خاصة، والذين تربوا على أديمها شربوا الطيبة والطهر والنقاء والعزة، فكل الأحداث التي كانت تقع، والقصص التي تروى،و الأغنيات التي تردد، وأصوات تلاوة القرآن التي ترتفع من خلاويها كانت تؤصل في النفوس الايمان العميق والعزة بالنفس وصفاء القلوب ، ولذلك فنحن حين نحكي نستحضر كل ذلكم الواقع النبيل، ولن يكتمل هذا السرد الا بعد أن ننهض جميعا لتسجيل هذا الأدب الدنقلاوي وتوثيقه ليبقى ذخرا للأجيال القادمة، فليس في حكاوينا وتراثنا الدنقلاوى الا ما يشرف ويزيد الانسان فخرا وعزة

دمت أخي محمد على الملك ولنواصل جميعا هذا المشوار

سيف الدين عيسى مختار

الأخ الكريم Sharhawad

أشكرك جدا على هذا المرور، وعلى التقرير الرائع الذي قدمته عن الأربعائية، ,وأفيدك بأن صديقنا العزيز (يا هذا الناس) اغترب الى السعودية ليس بسبب هذه الحادثة بل شملته موجة الهجرة، وعاش في منطقة ضواحي الطائف في منطقة يقكنها البدو، فاكتسب لغتهم وطريقة حديثهم ، ذات مرة زارني في جدة فاصطحبته في سيارتي الى مشوار قريب، ونسيت زجاج نافذة السيارة مفتوحا، فصاح في (قزز السيارة هداك الله) فضحك صديقنا سري الذي كان معنا وقال (مسكين هذا الناس بقى بدوي) .. وطرائفه عديدة .. كان ذات يوم مستلقيا على مراتب الجمعية وقد عطنها العرق والناس من حوله يلعبون الضمنة، فدخل وقت صلاة العشاء وهم يلعبون فصاح فيهم (ليش ما تقيمون الصلاة .. قيمون الصلاة) فضحك الجميع . وهكذا كان الى أن غادر الى البلد نهائيا.

سيف الدين عيسى مختار

بناء على طلب الحكيم محمد يوسف والأستاذ عبد الله الخبير اقدم لكم اليوم حكاية يوم الجمعة وبالله التوفيق والسداد

5 – (البــــو)
قالت الخنساء ترثي أخاها صخرا
وما عجول على بو تطيف به
لها حنينان أقبال وادبار
بأجزع مني يوم فارقني
صخر وللدهر احلاء وامرار

صورة رائعة عبرت بها الشاعرة المخضرمة الخنساء عن الفقد والحزن ، والذين عاشوا في القرى والأرياف يفهمون تلك الصورة التي رسمتها الخنساء جيدا والتي عبرت من خلال غريزة العجول فصورة حجم حزنها، فبعض الحيوانات يصل الى درجة قتل النفس عند الفقد، ولقد عايشنا في قرانا بدنقلا غريزة الأمومة القوية لدى الحمير على سبيل المثال، اذكر أن أحد أعمامي امتطى حمارته تاركا وليدها بالقرية وعبر بها النيل الى قرية ايماني ، وتمكنت الحمارة من فك قيدها وهربت الى شاطيء النهر، واصبحت تزرع الشاطيء جيئة وذهابا وأوشكت أن ترمي بنفسها الى الماء لتسبح الى وليدها لولا أن لمحها الريس ادريس فأدرك سبب جزعها وحملها على مركبه وعبر بها النهر الى الزورات، وما أن رسا القارب قفزت الى المرسي وانطلقت الى وليدها لترضعه وتتمسح به ، هذه واقعة حقيقية حكاها لى الريس ادريس عليه رحمة الله.
لقد برعت الخنساء في وصف الحزن، ولسنا هنا بصدد الحديث عن روعة هذا البناء الشعري، لكننا نركز على كلمتين هما (البو) و(عجول)
ومعلوم أن البقرة حين تدرك أن وليدها قد مات يصيبها حزن عارم تتوقف معه عن ادرار الحليب، فيعمد أصحابها الى اخفاء وفاة العجل عن أمله ويقومون بسلخه وملئه جلده تبنا ونصبه حتى يبدو كأنه عجل حي وهذا هو البو، فترى البقرة البو ثم تبدأ في ممارسة حياتها الطبيعية ومن ثم ادرار الحليب.
ومن ذلك فانني لا أشك في أن أصل كلمة البو نوبية انتقلت الى العربية بنفس المعني، فالعجول أو الأبقار لم يكن يهتم بها العرب كثيرا، فهم أصحاب ابل، والنوبة اشتهروا بتربية الأبقار دون الجمال، وما زالت كلمة البو مستخدمة عند الدناقلة الى يومنا هذا ..
حكايتنا اليوم عن البو فقد كان أحد مزارعي الزورات يصنع البو، أي يحشو جلد العجل تبنا، فمر به أحد العرب، فتعجب منه وسأله ماذا تفعل؟ أجابه: أصنع البو، قال العربي وما هو البو، اندهش الدنقلاوى وقال (ما بتعرف البو؟ البو يحشوك تبن عشان يرضعوك) مختصرا بهذا التعبير معنى الكلمة والهدف من البو .. فتأمل

سيف الدين عيسى مختار