المهجر والوطن 15 ( هل لنا ان نحلم بجوار اخوي وعودة لوحدة طوعية ؟!)

المهجر والوطن 15 ( هل لنا ان نحلم بجوار اخوي وعودة لوحدة طوعية ؟!)

منقو قل لاعاش من يفصلنا
هل لنا ان نحلم بجوار اخوي وعودة لوحدة طوعية ؟!
احتفل الجنوبيون بالامس بميلاد دولتهم الجديدة في ظل ظروف استثنائية بالغة التعقيد محليا واقليميا وعالميا ويأتي انفصال الجنوب ترجمه عملية لفشل طرفي نيفاشا في تطبيق الاتفاق كما ينبغي مما يعني أن الانفصال الرسمي كان خطوة حتمية . وفي ظل إعلان فك الارتباط بين طرفي الوطن ستظل العلائق باقية أقلها من واقع الجغرافية والديمغرافية مع وجود قنابل موقوتة لعدم الوصول لحلول للقضايا الاساسية المتصلة بحدود الدولتين وابيي والمشورة الشعبية والبترول اضافة للموقف المازؤم والماساة التي تنتظر الوطن نتيجة لما حدث من مواجهات بين الشريكين في جنوب كردفان في مايو الماضي . إن الخلاف حول هذه القضايا لم يعد امرا مقتصرا بين طرفين داخل دولة واحدة ولكنه اصبح بحكم خطوة الإنفصال شأنا دوليا وله صلة بالأمن الإقليمي والدولي . إن إنفصال جنوب الوطن في ظل خلافات اساسية وتراشق اعلامي بين قيادات علي مستوى كبير داخل كل طرف سيجعل من الصعب التكهن بما يمكن ان تؤول اليه الامور في المستقبل المنظور. ومع اعتراف نظام الإنقاذ بفصله جنوب السودان واعترافه بالدولة الوليدة فإن اشارات سالبة ظلت ترسل وتجد صدى لدى الطرف المقابل مما يجعلنا أقل تفاؤلا ونخشي ان تضيع امال المتفائلين حول الجوار الاخوي بين البلدين مما يرجح العودة مرة اخرى الى حرب اكثر ضراوة واسوا مالا .
إن المرء يشعر بالمرارة وهو يتامل الخريطة الجديدة لكلا الدولتين نتيجة الانفصال وهذا الواقع المؤلم جاء نتيجة طبيعية لسلوك أناس تسلطوا على حكم البلاد وفرضوا فكرا احاديا قسم السودان الى ثلاثة سودانات. سودان شمالي واخر جنوبي وثالث مهجري قوامه
اكثر من ثلث السكان تم تهجيرهم قسرا ويتشكل وجدان أبنائهم والاجيال التالية منهم بعيدا عن معاني الوطنية والوطن السوداني. لقد سالت نفسي ، ماهو شعور حكامنا الذين قادوا الوطن إلى هذه الهوة السحيقة وهل هم حقا راضون عن هذا الواقع كما ظلوا يرددون فى اجهزة الاعلام وعبرالقنوات الفضائية من تعبير عن رضى واطلاق لأهازيج فرح ؟!
ونحن نعيش ماساة الانفصال الصاعقة ونشهد فصله الأخير، تداعت إلى ذهني ذكريات وخواطر مع عمي الأستاذ الجليل عبد اللطيف عبد الرحمن محمد خير – رحمه الله - مؤلف القصيدة المشهورة ( منقو قل لاعاش من يفصلنا ) . فبوصفي عضو في الأسرة الممتدة أتيحت لى فرص كثيرة لمجالستة ، والاستفادة من تعايشه مع الجنوب وإنسانه ، فقد كان رجلا موسوعة، حلو المعشر يؤثرك بحديثه الشجى عن العلاقات الأسرية، وتجربته الثرة في مختلف مجالات الحياة وخصوصا مع الجنوب وبالطبع يحدثك حديث العالم في كل شأن سوداني آخر. لذا داومت على زياته ومجالسته خاصة خلال سبعينيات القرن الماضى عندما كان يقيم في منزل ناس مضوي في بري المحس ثم في المنزل الحكومي في الخرطوم غرب التي انتقل منها على ما أذكر لمنزل الأسرة في أركويت.
كلما جلست إلى الأستاذ ورغم فارق السن كان يفتح لي قلبه الكبير ليحكي ذكرياته وتجاربه بدءاً من عمله مدرساً في الأربعينيات بمنطقتنا بدنقلا بمدرسة السير الأولية مع الشيخ عبدالرازق ، الذى كان يعمل ناظراً بالمدرسة وذكرياته مع أبناء عمومته جدنا الشيخ محمد أحمد عبدالحميد، ووالدنا الشيخ عبدالحميد محمد، وإخوانهم وكذلك علاقته الأسرية وصداقاته الخاصة بآل الملك ممثلاً في الشيخ الزبير حمد الملك ومحمد حمد الملك وال الشيخ ود ابراهيم وغيرهم ، إضافة لعلاقاته الممتدة مع أهل المنطقة كبيرهم وصغيرهم . كان حديثه الشجي يغطي فترات عمله ، وتنقله في عدة مدارس وبيئات سودانية وخصوصا أيامه في بخت الرضا ودور المثقفين الشماليين والجنوبين في الحركة الوطنية وأندية الخريجين وعن فترات عمله في التربية والتعليم ووزارة الشباب وحكومة الولاية الشمالية وغيرها من المواقع. وكان شديد الإعجاب بالشخصية الجنوبية وشديد الإيمان بالوحدة الجغرافية والديمغرافية للسودان ولديه اعتقاد راسخ بأن الانفصال لن يتم طالما تعززت هذه الوحدة وترسخت.
واليوم ونحن نعيش ماساة انفصال الجنوب عن الشمال، رايت ان اقف عند المناسبة التي ألف فيها العم عبداللطيف قصيدته المشهورة ( منقو قل لا عاش من يفصلنا ) والتي كانت تدرس في المدارس الاولية بهدف تعزيز الإيمان بالمصير الوطني للشمال والجنوب ، مما جعل كلمات القصيدة على كل لسان سوداني عربي أو أعجمي واليوم تصبح أكثر إلحاحا لمن يرى في الانفصال رد فعل لسياسات مستفزة أكثر منه موقفا أصيلا .
والشيء بالشيء يذكر، فقد زار استاذنا الجليل مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية مستشفياً في العام 1992م حيث كان يقيم مع ابنته وصال وزوجها الأخ الاستاذ محمد ابراهيم ، وسارعت استمتع بمجالسته انهل من نهر معلوماته كلما سنحت لى الفرصة وسمحت حالته الصحته فانا امام قامة من رجال الرعيل الاول محبي الوطن والمهمومين بوحدته وسلامة اراضيه ، مع فهم عميق لآليات إدارة تنوع ثقافي واجتماعي وسياسي وهو موقف نابع من أدوار وطنية وتراكم خبرات ومن مساهماته فى الحركة الوطنية التى اخرجت المستعمر. وأذكر أنني دخلت عليه ذات مرة وفى يدي مجموعة من الصحف اليومية من بينها صحيفة الشرق الأوسط، حيث وقع نظره على خبر توقيع اتفاقية فرانكفورت بين الحكومة والحركة الشعبية ونصت فيما نصت على تقرير المصير لجنوب السودان وكان طرفي التوقيع كلا من علي الحاج ولام أكول . ولعله فوجئ بالمصطلح وإدخاله في العلاقة بين الشمال والجنوب فقد لاحظت ردة انفعاله بشكل غير طبيعي ثم تغيرت ملامح وجهه وسمته وقسماته ثم ما لبث ييتساءل: هل يعقل أن يتجرد الناس من وطنيتهم لهذا الحد ويكونوا في قمة عدم اللامسؤولية!! مضيفا كيف يجرؤ سوداني شماليا كان ام جنوبيا ويتحدث عن تقرير المصير لوطن قرر مصيره وطرد المستعمر بعد كفاح مرير اشترك فيه كل السودانيون بمختلف مكوناتهم ، موضحاً أن الحديث عن تقرير المصير لا شك يرقى لخيانة الوطن وأن هناك أكثر من طريق لحل قضية الوطن والجنوب، اذ أن الذي يجمع بين السودانيين أكثر من الذي يفرق بينهم .
وكعادتة في ترطيب الاجواء عاد باللقاء لحديث الذكريات، ليسرد جزءا من علاقاته وذكرياته مع اصدقائه من الإخوة الجنوبيين، مشيرا للمناسبة التى قال فيها قصيدته (منقو قل لا عاش من يفصلنا ) ، ذاكرا بانها قيلت في بداية الأربعينيات في خضم وزخم الحركة الوطنية في وقت كان فيه المد والحس الوطنى عالياً، وقد توحدت إرادة أبناء السودان من شماليين وجنوبيين لطرد المستعمر، الذي ظل يعمل جاهداً للتفريق بين ابناء الوطن الواحد.
في تلك الظروف تقرر نقل زميلهم الاستاذ منقو زمبيرى الذي كان يعمل معهم في بخت الرضا إلى ملكال ، وبمناسبة نقله أقام زملاء منقو حفل وداع له في نادي الخريجين بالدويم ، وفي ذلكم الاحتفال أجهش منقو بالبكاء متالماً من فراق الشمال واهله وزملاء دربه في العمل ، ومستعيداً كلمات الوداع وحجم الوفاء والمشهد كله ، وهو يقول له: أخوي عبد اللطيف لمتين الجماعة ديل يفرقوا بينا ونحن نتفرج ، ويمكن الليلة آخر يوم وتاني ما نتلاقى . ويواصل الاستاذ عبداللطيف بانه نتيجة للأثر البالغ لهذا التساؤل والموقف المؤلم جادت قريحتة بتلك القصيدة التى ارتجلها في لحظتها ردا على تساؤل صديقه منقو ( منقو قل لا عاش من يفصلنا قل معى لا عاش من يفصلنا (.
هكذا كان أستاذنا عبد اللطيف وابناء جيله في الشمال والجنوب قمة في الإلفة والتفاني والوطنية وحب خالص متبادل بين الجميع بمختلف أعراقهم وثقافاتهم ودياناتهم، وحرص على تحرير الوطن وصيانة وحدته وطرد المستعمر منه. بفضل هؤلاء صار لنا وطناً موحداً مساحته مليون ميل مربع ذلكم الرقم المميز الذي ظللنا نتفاخر به ثم نختلف فيما بيننا ليحدث هذا التقسيم اللئيم الذي تسبب فيه شريكي الحكم المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية اللذين غيبا الراي الوطني ليسيرا قدماً نحو تقسيم السودان، وتحقيق ما عجز عنه المستعمر .
إن انفصال جنوب الوطن كارثة وطنية مهما حاول القائمون على السلطة التخفيف من وطاته يا لتعاسة جيلنا ويا لمآل قدره وسوء حظه لقد ضاع جزء عزيز من الوطن ويصر القائمون علي امرنا لتحويل هذه الهزيمة الكبري لانتصار يقنعون به شعب السودان .
ربما يقول قائل برفض تبرير إسقاط أحداث ومواقف تاريخية ترجع للقرن الماضي على ما يجري اليوم وأن ذلك أمر غير عادل، ولكننا نقول لقد أضعتم فرصة تاريخية إذ أنه كان في إمكان الشريكين استثمار الفترة الانتقالية بشكل إيجابي لمصلحة الوطن بدلاً من المناورات والإقصاء حتي وصل الوضع إلى محطة الانفصال ودون ضمانات لجوار اخوى وتواصل مستقبلي . كان من الممكن للطرفين خلق واقع جديد يحقق امال وتطلعات الجميع، من خلال تقديم تنازلات سياسية ترفع من قيمتيهما، وتحقق الوحدة الجاذبة ً، فالمؤتمر الوطني وقياداته لم يكن يهمهم غير المحافظة على ما تحقق من مكتسيات شخصية وحزبية ضيقة تمكيناً في السلطة والمال دون رغبة او استعداد للاستماع للرأي الآخر، وكأن شعارهم (فليذهب السودان ولتبقى السلطة والجاه) وهذا ما حدث .
وفي المقابل فان الحركة الشعبية أيضا لم تكن فى وضع افضل اذ تعاملت مع الشمال حكومة ومعارضة بميكافيلية واضحة لا تخطئها العين لتحقيق أهدافها السياسية تحقيقا لأجندة الانفصال ومن أسف أنها أجندات تجد الدعم الأجنبي وهذا ما غزى التيار الإنفصالي وجعله يعيش حالة نشوة وانتصار مع أن كل المؤشرا تقول أنها قد لا تدوم طويلا بعد الانفصال.
والان وقد انقسمنا لدولتين فإننا نأمل أن يرتقي طرفها لمستوى المسئولية الوطنية أقلها العمل على تجنيب البلدين نذر المواجهة الحربية والعودة لمربع العدائيات، لذا نوجه نداءنا لحكام الدولتين على ضرورة الاستجابة لصوت الرأي العام السوداني والعقل وأن يفتحا قلبيهما وعقليهما للقوى السياسية غير الحاكمة في كلا الدولتين دون استثناء او اقصاء فى سبيل وحدة الصف والاستقرار. وفي نهاية الامر فان لعنة تقسيم الوطن وتفريق أبنائه ستظل تلاحق من تسببوا فى ذلك شبر من وطن اسمه السودان . وسيظل الوطنيون من ابناء السودان جنوبيين وشماليين يرددون اهزوجة عمنا عبداللطيف ( منقو قل لاعاش من يفصلنا قل معي لا عاش من يفصلنا ) وعلى حكام اليوم من الشريكين افراداً وجماعات تحمل المسؤولية التاريخية لما لحق بالوطن، وكما نهيب بكل الوطنيين من أبناء الوطن في مهاجرهم أن يقفوا وقفة استنكار أمام السفارات السودانية كتعبير عن الرفض لما حدث والتزام بالعمل لإعادة توحيد الوطن .
* مستشار قانونى وكاتب

المصدر: منتديات الملوك

---

hgli[v ,hg,'k 15 ( ig gkh hk kpgl f[,hv ho,d ,u,]m g,p]m ',udm ?!)

مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

حلو يسلموووووو

شكرا شكرا شكرا شكرا شكرا

منقو قل لا عاش من يفصلنا................. ماذا بعد الانفصال هل هى الوحدة الجاذبة ام هى التفرقة و ويلات الحروب.. ما ذا أنتم قائلون... نترك الاجابة للاخوة هنا..